• ×
الخميس 18 أبريل 2024

غادة عبد الرازق...نهاية ملكة "الإغراء" البلدى

غادة عبد الرازق...نهاية ملكة "الإغراء" البلدى
بواسطة admin 05-13-2011 04:05 مساءً 1.3K زيارات
 لم تفعل غادة عبد الرازق مثل عمرو دياب الذى هرب من أرض الوطن ...عندما كان الوطن يحتاج إلى هتافه قبل أغانيه التى ألقاها فى وجوهنا بعد الثورة دون حياء،ولم تفعل مثل تامر حسنى الذى اعترف أنه أخطأ فى فهم ما يريده الثوار،ثم عاد فى شجاعة نادرة ليعلن أنه أخطأ ....لكن التوقيت لم يكن فى صالحه،فقد قابل فى ميدان التحرير شبابا مثخن الجراح،ولم يكن مستعدا أن يسامح أو يغفر أو ينسى.

أعلنت غادة موقفها منذ اللحظة الأولى،بل نزلت إلى ميدان مصطفى محمود لتهتف من أجل الرئيس مبارك :مش هيمشى....فى تحد واضح وصارخ لرغبات الثوار التى اشتعلت بها حناجرهم:هو يمشى ...مش هنمشى....وفى مداخلاتها التليفزيونية التى أعقبت إعلان غضب الثوار عليها،أشارت إلى أنها تقدر ما يطالب به الشباب،لكنها ضد إهانة الرئيس،وضد التعامل مع رمز مثله بما لا يليق.

كان يمكن أن تكون غادة عبد الرازق مجرد إمعة ...تسير خلف أستاذها الذى صاغها وصنع نجوميتها خالد يوسف الذى كان متسقا مع نفسه من اللحظة الأولى،فلم تكن أفلامه الثائرة (هى فوضى حين ميسرة دكان شحاته) إلا إنعكاسا لروحه الغاضبة على نظام فاسد،فوقف منذ اليوم الأول فى ميدان التحرير يهتف مع الثائرين ويبارك خطواتهم.

لكن الفنانة التى أصبحت فى سنوات قليلة رمزا للإثارة البلدى اختارت أن يكون لها موقفها الخاص...الذى لم تتراجع عنه ولو من باب ذر الرماد فى العيون بعد وضع اسمها على قمة القائمة السوداء لأعداء الثورة،وهو ما يمكن أن يحسب لها....فقد اختارت ودفعت الثمن غاليا.....وستدفع أكثر فى الأيام القادمة.

كانت أكبر خسارة لغادة عبد الرازق هى فقدها لخالد يوسف الذى كان فى حياتها أكثر من مخرج.....لقد أعلن خالد فور تنحى الرئيس مبارك،أنه على الثائرين أن يتخلقوا بأخلاق الإنتصار،وأولها أن يسامحوا من أخطأوا،لكنه استثنى من ذلك من حرضوا على الثوار ....وحبذوا التخلص منهم،وكانت الرسالة واضحة أنه لن يسامح غادة عبد الرازق....وأعتقد أن هذه خسارة كبيرة للفنانة التى تعرف جيدا أن خالد...وخالد وحده كان من يمنحها أسرار نجوميتها ...ويفجر فى داخلها أمارات تألقها.

ولا أدرى هل كانت هذه هى الخسارة الوحيدة التى تكبدتها غادة فيما يخص خالد يوسف ...أما أنها خسرت أكثر عندما أعلن زواجه مباشرة بعد الثورة؟ .....فقد ضاع منها المخرج والصديق ...وانفرطت من بين أيديها كل أوراق اللعب.

إن غادة عبد الرازق تحمل على كتفيها 46 عاما من مواليد 6 يوليو 1965،بدأت حياتها الفنية كفتاة إعلانات،لكن سرعان ما اقتنصها المخرج محمد عبد العزيز وقدمها فى فيلم "لماضة"،ومن لماضة إلى أدوار صغيرة فى أفلام ومسرحيات ومسلسلات عابرة،لم تستطع أن تثبت أقدامها من خلالها....وإن كان هناك من تنبه لها وقرر أن يصعد بها إلى النجوم.

كانت الإنطلاقة الكبرى لغادة عبد الرازق مع نور الشريف فى مسلسله الشهير "عائلة الحاج متولى" ،كانت إحدى زوجاته الأربعة (نعمة الله) ....وقد تجسد فى دورها قدرتها على مغازلة الشارع باللفتة والغمزة والضحكة والرقصة والدلع ،فقد أثبتت أنها نجمة إغراء،رغم أن حجم الإغراء فى مسلسل تليفزيونى ليس كبيرا...وقد تكون ( نعمة الله) هى التى منحت غادة وصفها بأنها ملكة الإغراء البلدى.

فرغم أنها لعبت أدوارا أخرى لسيدة أرستقراطية،ولم تكن تبخل فيها بقدراتها الإغرائية،لكنها ظلت فى الذهنية العامة ...الفتاة الشعبية القادرة على جذب الرجال إليها من خلال ألاعيبها التى تجيدها جيدا....أضف إلى ذلك ما يعرف عنها بأنها تزوجت أكثر من مرة ...وما فى ذلك من دلالات إجتماعية لا تستعصى على الفهم ولا تخفى على من يزن النساء بميزان المتعة والرغبة.

لم تقدم غادة عبد الرازق الإغراء على استحياء،بل كانت مقتحمة،ويبدو أن خالد يوسف كان يعرف تكوينها النفسى الداخلى،فقدمها فى دورها الصادم "الريس عمر حرب"....وهو الفيلم الذى قدمت فيه مشهدها الشهير مع هانى سلامة
لم تهتم غادة عبد الرازق بما يقال عنها ....عملت بالقاعدة الشهيرة: الناس ستتحدث ... سواء قدمت ما تريده أو قدمت ما يريده الناس،فقررت أن تقدم ما تريده،وليذهب الجميع إلى الجحيم.

ولأن الفن فى النهاية سلعة تبحث عمن يستهلكها،كان أن وجدت غادة نفسها نجمة فى مسلسل "الباطنية"،ثم من بعده مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة"،وهى مسلسلات خلقت شهرة غادة فى الشارع،وجعلت منها تميمة كثير من المشاهدين،لا يكتفون بمشاهدتها على الشاشة فقط،بل يصطحبونها معهم فى أحلامهم الخاصة،وكان طبيعيا بعد ذلك أن يرتفع أجرها من 5 مليون جنيه فى "زهرة وأزواجها الخمسة" إلى 12 مليون كاملة فى مسلسها الجديد "سمارة"جرها ( أولى خسائرها تخفيض إلى 4 مليون ).

وهنا تحديدا لابد أن نتوقف.

لقد انتهت غادة من تصوير أكثر من نصف مشاهد مسلسها "سمارة"،وهو إعادة إنتاج لفيلم تحية كاريوكا الشهير الذى قدمته فى الستينات،ومن المنتظر أن يعرض فى شهر رمضان القادم،وهو المسلسل الذى كان يعول عليه منتجوه الكثير من الآمال،فمعهم درة التاج،والنجمة التليفزيونية الأكثر نجومية وشهرة،لكن أغلب الظن أن أحلامهم ستتحول إلى كوابيس،فليس من المنتظر أن يستقبل الجمهور المصرى غادة عبد الرازق استقبالا جيدا،فهم يشعرون أنها خانتهم،وبدلا من أن ترد لهم الجميل،وقفت ضد ثورتهم التى كان الجميع يترجى رضا المشاركين فيها.

لكن من قال أن غادة عبد الرازق لم تكن ترد الجميل بموقفها من الثورة؟

السؤال المهم هو:لمن كانت ترد الجميل بالتحديد؟
قد تكون غادة عبد الرازق أفلتت من ذئاب عصر مبارك البشرية،الذين لم يتركوا فنانة لامعة وجميلة إلا كانت لهم معها صولات وجولات خاصة جدا،وكل شئ بثمنه،لكنها فى النهاية حققت كل ما تتمناه فى عهد الرئيس مبارك،ثم أن من نقلها من الخمسة ملايين إلى الإثنى عشرا مليونا،كان أشرف الشريف نجل الرجل الثانى فى عصر الرئيس مبارك فعليا.

(هامش: هناك شائعات كثيرة تطارد غادة عبد الرازق،فيما يخص عملها مع أشرف الشريف،لكن الأمر لا يخرج عن كونه شائعات،لا يمكن لنا أن نؤكدها ...أو ننفيها،وحدها غادة من لها الحق فى ذلك ....مع العلم أنها لم تنف أو تؤكد حتى الآن.)

كانت غادة إذن ترد الجميل لمن رأت أنهم أصحاب فضل عليها،فلولا حالة الهزال التى صنعها نظام الرئيس مبارك،لما استطاعت أن تصبح نجمة،بل تصبح أغلى نجمة تليفزيوينة.

"متسقة مع نفسها"...هذا هو التوصيف المناسب لغادة عبد الرازق ،لكن هذا الإتساق فى النهاية جعلها تخسر كل شئ،فحتى من لا تشغلهم السياسة ولا تعقيداتها،ممن أعطوا غادة شهرتها ومجدها،تغيروا تماما بعد أحداث 25 يناير،وأصبحت لديهم قدرة هائلة على الفرز والإنتقاء والإختيار،وأعتقد أن الإختيار لن يكون فى صالح غادة فى الأيام القادمة.

الإختبار الحقيقى لم تخضه غادة بعد،كانت حالة الجدل التى تثيرها حول نفسها (تصريحاتها الجرئية ...ملابسها المكشوفة ... حياتها الشخصية) مفيدة لها ولإستمرارها،فهى الوقود الذى أشعل نار نجوميتها،لكنها الآن أصبحت فى مربع ضيق جدا لن تستطيع أن تبرحه بسهولة،ومؤكد أنها الآن لا تعرف هل ستحصد نجاحا جديدا،أم تتهاوى فى مهاوى النسيان.

يمكن أن تحترم في غادة عبد الرازق إصرارها على موقفها ....لكن هذا الإصرار عملة لن تستطيع أن تصرفها لدى الشباب الثائر،الذى كان قبل الثورة يرى فيها إمرأة مثيرة يمكن أن تأتيه فى أحلامه،فإذا بها تتحول إلى كابوس مزعج يطارد أحزان المصريين على شهداءهم.

ما حدث لغادة عبد الرازق يمكن أن يكون أشبه بالأساطير الإغريقية ....التى يصل أبطالها إلى قمة الجبل،وفجأة تطاردهم لعنة الألهة،التى تحكم عليهم أن يهبطوا إلى السفح مرة أخرى،الفارق بين غادة وأبطال الأساطير الإغريقية أن الألهة تمنحهم فرصة أخرى للصعود،أما آلهة الثورة المصرية،فلن يسمحوا لغادة بالصعود مرة أخرى.