• ×
الجمعة 19 أبريل 2024

مـعـايـيـر الـتـفـوق في الـدراسـة الـدولـيـة TIMSS .كيف تحققها

مـعـايـيـر الـتـفـوق في الـدراسـة الـدولـيـة  TIMSS .كيف تحققها
بواسطة admin 03-25-2019 02:13 مساءً 345 زيارات
 مـعـايـيـر الـتـفـوق في الـدراسـة الـدولـيـة TIMSS .كيف تحققها

الحدث الأهم في حقل التعليم الدولي، خلال شهر إبريل / نيسان 2019م، هو اختبارات الدراسة الدولية TIMSS، والتي تُشارك فيها نحو 60 دولة، من مُختلف قارات العالم قاطبة، منها نصف الدول العربية تقريبــًا، وتأتي أهمية هذا الحدث، من كونه يوفِّر للدول المُشارِكة، معلومات وخبرات قيِّمة، تُساعدها على مُتابعة الرياضيات والعلوم، وتقييمها على مر الوقت، حيث يُمكن للدول الحصول على بيانات شاملة، ومٌُقارنة دولية عن المفاهيم والمواقف، التي تعلَّمها الطُلاَّب، وكذا قياس مدى التقدُّم، في تعليم المواد المُستهدفة، وتعلُّمها، بالمُقارنة مع الدول الأُخرى.


كما تتمكَّن الدول المُشاركة، من مُتابعة المؤثرات السلبية للتعليم والتعلُّم، في الصف الرابع من التعليم الأساسي، ومُقارنتها مع المؤثرات في الصف الثامن (الثاني المُتوسِّط، أو الإعدادي كما هو المُسمَّى في بعض نُظم التعليم بدول عربية)، حيث أن مجموعة المُتعلِّمين، الذين يتم اختيارهم في الصف الرابع بدورة ما، غالبــًا ما يتم اختيارهم في الصف الثامن بالدورة التالية.


كما تتمكَّن الدول من الوصول إلى أهم الوسائل المؤدية إلى تعليم أفضل، وذلك عبر مُقارنة نتائج الاختبارات في كُل دولة، مع نتائج الدول الأُخرى، وكذلك تطوير السياسات والنُظم التعليمية، بما يُحقق مُعدلات تحصيل وأداء أعلى لدى الطُلاَّب.


إجراءات وأدوات ومعايير
ويعود النجاح الذي حققته الدراسة الدولية TIMSS، إلى مجموعة المبادئ والأُسس التي تقوم عليها، والمعايير والإجراءات، التي يتم تطبيقها بشكل صارم، في عمليات الاختبار، والمُراجعة الدقيقة في كُل مرحلة من مراحل إجراء الدراسة، والتي تقوم على جهود مُشتركة بين المؤسسات التعليمية والمراكز


والهيئات والجهات البحثية ذات الصِلة، في كُل دولة من الدول المُشاركة، والتي تُعَد مسئولة عن عمليات التدريب والتنفيذ والتنسيق واختيار العيِّنات، وتتبُّع خطوات المُعالجة للبيانات، وتحليلها، بالتعاون مع المركز الرئيس للدراسة الدولية، وهو مركز الاختبار والتقويم والسياسة التربوية، الذي يُمثل مِحور الربط ونقطة الالتقاء..


جدير بالإشارة، أنه لكي تتمكَّن أي دولة من المُشاركة في هذه الدراسة، لا مناص من توافر عدد من الشروط، التي وضعتها الجهة القائمة على هذه الدراسة، وهي الجمعيَّة الدولية لتقييم الانجاز التربوي (IEA)،


وهذه الشروط تتعلَّق بطبيعة العيِّنة التي ستُطبَّق عليها أدوات الدراسة، من حيث العُمر، والمرحلة الدراسية كما أن ثمة شروطــًا ذات صِلة بالتنظيم المدرسي، والمُعلِّمين وخبراتهم السابقة، وآلية التطبيق، بما تتضمَّنه من استمارات واختبارات مُتنوِّعة، ويشمل عمل الدراسة، خمسة مجالات أساسية، هي: معايير المناهج، والمدرسة،

والمعلمين وعملية إعدادهم، وأنشطة ومواصفات الصف الدراسي، والطلاب.. ومن أهم الأدوات المُستَخدَمة في جمع المعلومات والبيانات، والتي حددتها الدراسة: أسئلة الاختيار المُتعدِد،

والأسئلة الكتابية، وأسئلة الاختبارات البنائية، التي يُصاحبها استبيانات، تُعني بجمع معلومات حول السياقات التربوية والاجتماعية والثقافية، المؤثرة في عملية التحصيل العلمي، ومن أبرزها: استبانة المدرسة، واستبانة مُعلِّمي الرياضيات والعلوم، واستبانة الطالب.



وللسعي من أجل تحقيق أعلى قدر من الجودة، في عمليات الاختبارات، ينبغي أن تتطابق إجراءات الاختبارات مع المعايير الموضوعة لها، ولتحقيق العدالة والموضوعية في التقييم، تُجري الاختبارات في كُل الدول المُشاركة في وقت واحد، كما يُحدد مُسبقـًا المجالات الدراسية التي سيتم قياس تحصيل وأداء الطُلاَّب فيها، ولنضرب مثالاً:


أوَّل وآخر دورة من الاختبارات.. كانت مجالات الرياضيات للصف الثامن، والتي حُدِدت في دورة 1995م (الدورة الأولى)، هي المُعادلات، والأرقام، والتفاضل والتكامل، والهندسة، بينما مجالات العلوم، كانت الميكانيكا، والحرارة، وظاهرة الموجات، والفيزياء الحديثة.
وفي الدورة الأحدث، وهي دورة 2019م، كانت المجالات التي حُدِدت في رياضيات الصف الرابع، هي الأرقام، والقياس، والهندسة، والبيانات، ومجالات الرياضيات للصف الثامن، هي العَدد، والجبر، والهندسة، والبيانات والاحتمالات.. بينما مجالات العلوم للصف الرابع، هي علوم الحياة، وعلوم الأرض، وعلوم الفيزياء، أما مجالات العلوم للصف الثامن، فهي الأحياء، والكيمياء، والفيزياء، وعلوم الأرض.

ومن أهم الإجراءات، التي تأخذها الدول المُشاركة بعين الاعتبار:
ــ "إعداد الإطار العملي، لإجراءات التقويم".
ــ "إعداد الصور التجريبية، لأدوات الدراسة، باللُغة الانجليزية".
ــ "ترجمة الأدوات، ومواءمتها للُغات البلدان المُشاركة".
ــ "مُراجعة الترجمة، وتعديلها، وِفقــًا للخصوصية الثقافية، لكُل دولة".
ــ "تجريب الصور الأوليَّة لأدوات الدراسة، وتحليلها، للتأكُّد من خصائصها السيكومترية".
ــ "إعداد الأدوات في صورتها النهائية، بناء على التجارب، والتحقق من الترجمة، وإعداد كُرَّاسات الاختبارات".
ــ "إعداد الأدلَّة (التصحيح ــ التطبيق ــ التنسيق ــ الضبط والجودة ــ إدخال البيانات، وتحليلها).
ــ " تنفيذ المسح الرئيسي للدراسة".
ــ "تصحيح الاختبارات، وإدخال البيانات ذات العِلاقة".
ــ "إرسال النُسخة الوطنية من المعلومات والبيانات، إلى مركز معالجة البيانات الرئيسي".

كيف تتفوق الدول...؟

ومن الأمور اللافتة للانتباه، والجدير بالتأمُّل، والوقوف على أبعادها، أنه مُنذ انطلاق الدراسة الدولية TIMSS وحتى الآن، فإن الدول التي تفوَّقت تعليميــًا، وتجاوزت المُعدَّل العالمي المُحدد في الاختبارات بـ 500 نقطة، والتي سنأتي للحديث عنها بعد قليل، لم تتراجع إلى ما دون المُعدَّل، بل تُحافظ على تقدُّمها وتفوقها، وإن كانت تتقدم أو تتأخر في الترتيب، إلاَّ أنها تظل فوق المُعدَّل العالمي.

ويرى غير واحد من خُبراء التربية والتعليم، أن ذلك يرجع إلى حِرص هذه الدول على تطوير منظومة تعليمها، وِفقــًا للمعايير الدولية، وما يُستَجَد من مُعطيات التقنية والأبحاث والدراسات ذات الصِلة، مع الاحتفاظ بالخصوصية والتميُّز الوطني، وهذا هو المبدأ الفلسفي الأساسي الذي يقوم عليه مشروع TIMSS، المُصمَم ليكون من الاتساع بحيث يحتوي المفاهيم والمهارات والاتجاهات المُتعددة، والضرورية لتعليم العلوم، بما يتلاءم مع احتياجات جميع الدول المُشاركة من ناحية، ومع المعايير العالمية من ناحية أخرى، وذلك من اجل قيام الدول المُشاركة بخطوات إصلاحية، في مناهجها الدراسية.. ومن ثم نرى المشروع يتبنَّى نقطتين هامتين:

ــ " لكُل دولة حُرِّية كاملة في وضع معايير محليَّة لمناهجها، بما يتناسب مع إمكاناتها وقيمها ".
ــ " العمل على مواءمة تلك المعايير المحليَّة، مع المعايير الدولية، بالمُنافسة وليس بالصِدام ".
وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية، كدولة من الدول المُتقدِّمة تعليميـًا، والتي تحرص على المُشاركة في دورات الدراسة الدولية TIMSS، وتحتفظ بنِقاط ما فوق المُعدَّل في الترتيب العام، نجد أن تفوُّقها يقوم

بالأساس على جهود إصلاحية، في تدريس العلوم، بما يُساير التطوُّر العلمي والتكنولوجي المُتسارع، وذلك في إطار:
ــ مشروع 2061م، وهو مشروع مُقدَّم من قِبل الرابطة الأمريكية لتقدُّم العلوم American Association for The Advancement Of Science، والتي تشتهر اختصارًا بـ (AAAs)، حيث يُعَد اكتساب الثقافة العلمية لكُل الأمريكيين، الهدف الأساسي من هذا المشروع، بحُلول العام 2061م..ويتكوَّن المشروع من ثلاث مراحل، في كُل مرحلة ثمة مجموعة من الخطوات والإجراءات لتحقيقها.

ــ مشروع المجال والتتابع والتنسيق scope Sequence and coordination، الذي يهتم ببناء منهج العلوم، في المرحلة الثانوية، بعموم الولايات الأمريكية، من خِلال المجالات الأربعة الرئيسة: الأحياء، والكيمياء، والفيزياء، وعلوم الأرض، وتمتد أهداف هذا المشروع لإعداد المواطن المُثقَّف عِلميـًا، وكذا إعداد الأفراد الذين ينخرطون في أعمال ذات ارتباط بمجالات العلوم.

ــ المعايير القومية للتربية العلميَّة في الولايات المتحدة الأمريكيةNational Science education standards، وهي مجموعة المعايير التي أصدرها المجلس الوطني للبحث National research council والمُمتدة لوصف برامج العلوم، التي يستطيع المُعلِّمون تحقيقها لدي طلابهم، وهي مُقسَّمة إلى سِتة معايير أساسية: معايير المُحتوى، ومعايير التدريس، ومعايير التقييم، ومعايير النمو المهني للمُعلِّم، ومعايير برامج تعليم العلوم، ومعايير نظام تعليم العلوم.. ومن هذه المعايير، تنبثق معايير فرعية، توضِّح كيفية تحقيقها.

دول تجاوزت المُعدَّل العالمي
إن المُعدَّل العالمي، الذي يُقاس به مُستويات التحصيل والأداء لطُلاَّب الدول المُشاركة في دورات TIMSS ، هو500 نقطة أو درجة، ومن خِلال الدورات المُتعاقبة، ظهرت عِدة دول مُشاركة وقد تجاوزت هذا المُعدَّل، ولم تتنازل عنه طوال مُشاركاتها، وتأتي سنغافورة في طليعة الدول التي مازالت تُهيمن على أعلى المراتب، بمُستوي الصفين الرابع والثامن، من خِلال الحِرص على المُشاركة، في كافة الدورات، التي تنتظم كُل أربع سنوات

وكان عدد الدول التي تجاوزت المُعدَّل العالمي 32 دولة، على مُستوى رياضيات الصف الرابع.
بينما في العلوم، تجاوزت33 دولة المُعدَّل العالمي.

وفي رياضيات مُستوى الصف الثامن، جاءت18 دولة فوق المُعدَّل 500، بينما في علوم المُستوى الثامن، جاءت 19 دولة فوق المعدل العالمي.

واللافت للانتباه عِند مُقارنة نتائج 2011م، بنتائج 2015م، هو صعود بعض الدول إلى مراكز مُتقدِّمة، وحققت أداءً مُرتفعـًا مُثيرًا للإعجاب، في مادتي الرياضيات والعلوم، للصفين الرابع والثامن..

إلاَّ أن الفجوة ظلَّت كبيرة، بين الدول صاحبة أفضل أداء، والدول ما دون المُعدَّل العالمي، والتي جاء مجموع نقاط كُل منها أقل من 500 نقطة، سواء على مُستوى الصف الرابع (رياضيات، وعلوم)، ومُستوى الصف الثامن (رياضيات، وعلوم).

ومن خِلال مُتابعتنا لنتائج دورات الدراسة، مُنذ انطلاقها وحتى الآن، تبيَّن لنا بعض المُلاحظات الهامة، والجديرة بالتأمُّل:
ــ أوَّلاً: نجحت بعض الدول، في رفع كفاءة طُلاَّبها، وحققت تقدُّمــًا ملحوظـًا، مِثل قُبرص، ومنطقة هونج كونج الإدارية، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وسلوفينيا.. في جميع الدورات التي شاركت فيها، سواء في مُستوى اختبارات الرياضيات، أو العلوم.

ــ ثانيــًا: كانت اتجاهات المرحلة المُتقدِّمة من الدراسة الدولية، التي تُقيِّم مُستوى طُلاَّب الصف الثامن، هي
الأقل إيجابية، حيث لم تُحقق بعض البلدان المُشاركة في دورتي الدراسة لعامي 1995 و2015م، تحسنـًا يُذكَر، في التحصيل والأداء الدراسي للطُلاَّب (فرنسا، وإيطاليا، والنرويج، والبرتغال)، وأسباب ذلك مُتعدِدة ومُعقدة، وتحتاج إلى تحليل ودراسة علمية.

ــ ثالثــًا: تقلَّصت الفجوة بين الجنسين، في العديد من البلدان المُشاركة، على مدار دورات الاختبارات، وكان أداء الفتيان أفضل من أداء الفتيات، في العلوم والرياضيات، إلاَّ أنه في دورة 2015م، كان أداء الفتيان أفضل في ثلاث بلدان فقط.

ــ رابعــًا: تُظهِر النتائج مدى تأثير المناهج والمعلمين في تحقيق الأفضل، ووِفقــًا لما أدلى به بعض المُشرفين على TIMSS، فإن البلدان صاحبة أعلى أداء، كانت تولي اهتمامـًا قويـًا بالمناهج الدراسية، والمُعلَّمين، والوسائل التعليمية، ودعم أولياء الأمور.

خاتمة
تظل الدراسة الدولية لتوجُّهات تعليم الرياضيات والعلوم TIMSS، أحد أهم المقاييس، التي تُعوِّل عليها كثير من الدول، في إدراك مدى تقدُّمها على مؤشر التعليم العالمي، وذلك بفضل اعتمادها معايير صارمة، تتسم بالشفافية، وتحقيق العدالة في القياس، ولا شك أن الدول التي شاركت في دوراتها المُتعاقبة، قد استفادت بشكل كبير في تحقيق تقدُّمـًا بنظامها التعليمي، وارتقاء بمُستوى التحصيل والأداء الطلابي، كما استفاد من ذلك المُعلِّمين، والهيئات الوطنية ذات الصِلة بالتربية والتعليم، وإن كانت هذا الاستفادة جاءت بنِسب مُتفاوتة، لأسباب مُختلفة، تتعلَّق بكُل دولة مُشاركة.

وكانت بعض الدول، قد أعلنت أنها بدأت التحضير للدورة القادمة، والتي ستأتي بعد أربع سنوات من الآن، من خِلال إطلاق برامج ومشاريع طموحة، تهتم برفع مُستوى الثقافة العلمية ونشرها، ليس فقط بين طُلاَّب المدارس، ولكن أيضـًا لدى المواطنين، باعتبارهم جُزء لا يتجزَّأ من المنظومة الشاملة للتطوير، والارتقاء المعرفي والحضاري.